-A +A
علي مكي
ليس غريباً أن تنجح المملكة العربية السعودية في إدارة حج هذا العام 1438هـ، فهذا ديدن ودين بلادي أيضاً وقادتها، على مر كل الحقب، في تشرفها بخدمة الحرمين الشريفين وبعون ضيوف الرحمن حتى من قبل أن يصلوا أرض المملكة، من خلال الإسراع في إنهاء أوراق اعتماد مجيئهم، وتسهيل إجراءات قدومهم دون منة أو أذى، بل إن «السعودية» لم تنتظرهم فقط، بل هي ذهبت إليهم وعرضت خدماتها عبر طيرانها الدولي في التكفل بحملهم والمجيء بهم إلى الأراضي المقدسة معززين مكرمين عباداً لله وضيوفاً على أرض الحرمين، لولا أن عناد السياسة وفخاخها والانقياد لعصبيتها قاد حكام قطر إلى المراوغة والكذب والتناقض، فحرموا جزءاً من شعبهم تلبية نداء الله بالحج عندما أتوا من كل فج عميق، ونجح بعض القطريين في أن يتخلصوا من الحصار الذي فرضه عليهم أميرهم، وهو حصار لا مشروع، لأنه استهدف هذه المرة دينهم وفريضة عظيمة من أركان الإسلام، وكان من الممكن أن يبقى الخلاف السياسي قائماً، وأن تستمر قطر في رفضها لتنفيذ شروط الدول المقاطعة لها، وعليها أن تتحمل تبعاته الراهنة والمستقبلية، لكن ليس من حقها أن تتخذ ورقة (الدين) لعبة تخفي خلفها حماقاتها، وتستغل الركن الخامس (الحج) المناسبة الدينية العظمى، تستغلها لتحصد المزيد من التعاطف الشعبي، لكنها خسرت كالعادة ليس لأن أسلوبها أصبح مكشوفاً، ولكن لأن المملكة العربية السعودية كانت وستظل رائدة العمل وسيدة الفعل الأبيض الطاهر النقي، لا تدير مؤسسات الكلام والتنظير والكذب الذي يتفوه به بعض الزعماء كالعادة، ولكن قائدها الملك سلمان بن عبدالعزيز (حفظه الله) وكل قادتها السابقين (عليهم رحمة الله) كانوا وظلوا وسيبقى من بعدهم رجال السلطة كل نجاحاتهم في الميدان عملاً لا غبار عليه وأسطع من كل العتمات.

وإذا كان نجاح الحج هذا العام قد استأثر بضوء أكبر وأكثر وأوسع من مواسم سابقة، خصوصا في مواقع التواصل الاجتماعي، فليس لأنه لم يكن متوقعاً، ولكن لأن المتربصين كثر والحساد في كل مكان من حولنا، لكن الله يخذلهم دائماً فلا يجعلهم علينا ويذهب بهم بعيداً (إلى حيث ألقت) يتجرعون مرارات غيظهم الأسود الذي سيأكلهم عما قليل بإذن الله.


لقد كنتُ ضمن حجاج هذا العام، ولله الحمد، وكم سعدت جداً وأنا أسمع كثيراً من الحجاج العرب والمسلمين وهم يشهدون أن خدمات هذا العام وانسيابية هذه الأفواج المليونية الكبيرة في هذه المساحة كانت تحولاً كبيراً عن السنوات الماضية وأن المملكة وقادتها لم يعنهم الله على حفظ هذا المكان الذي يغشاه الأمن والأمان، إلا لأن هذه البلاد وحكامها أهل لهذا العون السماوي الرحيم.

وبمناسبة الأمن والأمان كنتُ كلما مررت برجل أمن من القطاعات العسكرية المختلفة، شكرته ودعوت له وأن يبيض الله وجهه، غير أن هؤلاء الرجال الأشاوس حماة الوطن ينتظرون في الدنيا غير الدعاء، ولا أعتقد أن الملك سلمان وولي عهده الأمين سينسيان هذه الجهود، ولا بد أن تتخذ القيادة السعودية الكريمة ما يثلج صدور هؤلاء الأبطال.